( الصفحة 47 )
بالضعف من الجهة المذكورة غير وجيه .
فالتحقيق في الجمع بين الروايات الدالّة على الانتهاء إلى الغروب ، والرواية الدالّة على الانتهاء إلى نصف النهار أن يقال : إنّه لو كان في البين رواية ثانية لابن بكير على ما عرفت ، فعلاج التعارض إمّا برفع اليد عن هذه الرواية; لكونها ضعيفة من حيث السند ، والحال أ نّ تلك الروايات بين صحيحة وموثّقة ، وكلتاهما مشتركتان في الاعتبار والحجّية ، وإمّا الالتزام بالجمع الدلالي بينهما; بأ ن يقال بأ نّ مورد هذه الرواية هو الواجب غير المعيّن ، ومورد تلك الروايات الصوم التطوّعي . وإمّا الالتزام بعدم تعدّد الرواية وكونها واحدة.
غاية الأمر أ نّ أحد الطريقين إلى الراوي معتبر ، والآخر غير معتبر ، فاللازم الأخذ بالطريق المعتبر ، ولا شبهة في أ نّ الخصوصيّة المأخوذة فيه هو الصوم تطوّعاً وإن كان أصل السؤال في كلتيهما واحداً ، وقوله (عليه السلام) : «أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار » إشارة إلى ثبوت هذا عند الراوي وفي ارتكازه .
وعليه : فيمكن أن يقال بثبوت الجمع الدلالي من جهة تقديم النصّ أو الأظهر على الظاهر ، نظراً إلى أ نّ قوله (عليه السلام) : «أليس هو بالخيار » إلخ وإن كان ظاهراً في الامتداد إلى خصوص نصف النهار ، ولازمه عدم الصحّة بعده ، إلاّ أ نّ قوله (عليه السلام) في الموثقة في الجملة الأخيرة : «وإن مكث حتى العصر ثمّ بدا له أن يصوم وإن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء » ، صريح أو كالصريح في الامتداد بعد العصر ، وهو قرينة على التصرّف في الظاهر حملاً للظاهر على النصّ على ما عرفت ، فالذي يتحصّل من ذلك ، الامتداد إلى الغروب في الصوم المندوب كما في المتن . وقد مرّ أ نّ الظاهر عدم تحقّق شهرة على أحد الطرفين; للاختلاف فيما نسب إلى المشهور ، فتدبّر .
( الصفحة 48 )
مسألة 5 : يوم الشك في أ نّه من شعبان أو رمضان يبني على أ نّه من شعبان فلا يجب صومه ، ولو صامه بنيّة أ نّه من شعبان ندباً أجزأه عن رمضان لو بان أ نّه منه . وكذا لو صامه بنيّة أ نّه منه قضاءً أو نذراً أجزأه لو صادفه ، بل لو صامه على أ نّه إن كان من شهر رمضان كان واجباً ، وإلاّ كان مندوباً ، لا يبعد الصحّة ولو على وجه الترديد في النيّة في المقام . نعم ، لو صامه بنيّة أ نّه من رمضان لم يقع لا له ولا لغيره 1.
1ـ في صوم يوم الشكّ في أ نّه من شعبان أو رمضان جهات من الكلام :
الاُولى : في ثبوت المشروعيّة له في الجملة ، والمشروعيّة ناظرة إلى عدم ثبوت الوجوب والكراهة ، بل الحرمة كما هي ظاهر بعض الروايات (1)، كما أ نّ التقييد به في الجملة ناظر إلى الفرع الأخير المذكور في المتن ، والمحكوم بعدم الوقوع لا عن رمضان ولا عن غيره ، فأصل المشروعيّة في الجملة ممّا لا ارتياب فيه .
الثانية : في عدم ثبوت الوجوب ; لأ نّ مقتضى القاعدة الحاكمة ببقاء شعبان وعدم دخول رمضان بعد ، هو عدم الوجوب من حيث شهر رمضان وإن كان ربما يعرض له الوجوب من جهة تضيّق وقت صومه القضائي وأمثال ذلك .
الثالثة : أ نّ لصوم يوم الشك المذكور فيه ثلاثة فروض :
الأوّل : صومه بنيّة أ نّه من شعبان ندباً، أو قضاءً ولو تضيّق وقته، كما هو كذلك لامحالة ; لفرض أ نّه يوم الشك منه ـ أو نذراً .
الثاني : صومه بنيّة أ نّه إن كان من شهر رمضان كان واجباً، وإلاّ كان مندوباً أو مثله.
الثالث : صومه بنيّة أنّه من رمضان .
- (1) وسائل الشيعة 10: 20 ـ 29، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 5 و 6 .
( الصفحة 49 )
وقد حكم في المتن في الأوّل بالصحّة والإجزاء عن رمضان لو انكشف كونه منه ونفى البعد عن الصحّة في الثاني ولو على وجه الترديد في النيّة ، وفي الثالث بعدم الوقوع لا لشعبان ولا لرمضان ، وفي الحقيقة يكون باطلاً .
واللازم ملاحظة الروايات الكثيرة الواردة في المسألة .
فنقول : إنّها على طوائف :
الطائفة الاُولى : ما يدلّ على صحّة الصوم يوم الشك بنيّة أ نّه من شعبان ويجزئ عن رمضان لو بان أ نّه منه ، وهي :
رواية الزهري ، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث طويل قال : وصوم يوم الشك اُمرنا به ونهينا عنه ، اُمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان ، ونُهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس . . . الحديث(1) . والظاهر أ نّ المراد من الجملة الأخيرة هو الصيام بعنوان أ نّه من رمضان .
ورواية سماعة المشتملة على قوله (عليه السلام) «إنّما يصام يوم الشك من شعبان ولا تصومه من شهر رمضان ـ إلى قوله : ـ وإنّما ينوي من الليلة أ نّه يصوم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل الله ـ عزّوجلّ ـ وبما قد وسّع على عباده ، ولولا ذلك لهلك الناس(2) .
وصحيحة معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان فيكون كذلك ؟ فقال : هو شيء وفّق له(3) .
- (1) الكافي 4 : 85 ح 1 ، تهذيب الأحكام 4 : 296 ح 895 ، الفقيه 2 : 47 ح 208، وعنها وسائل الشيعة 10 : 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 5 ح 8 .
(2) تقدّمت في ص 21 .
(3) الكافي 4 : 82 ح 3 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 22 ، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 5 ح 5 .
( الصفحة 50 )
ومن الواضح أنّ القدر المتيقّن من مورد السؤال صورة ما إذا صامه بنيّة أ نّه من شعبان ، كما لا يخفى .
وغير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال الظاهرة في أ نّه يصومه بعنوان شعبان ، فإن كان منه يحسب تطوّعاً ، وإن كان من رمضان أجزأ عنه وهو شيء وفّق له(1) .
الطائفة الثانية : ما يدلّ بظاهره على بطلان صوم يوم الشك ، مثل :
ما رواه المشايخ الثلاثة بأجمعهم ، غاية الأمر أ نّ بعضهم روى عن عبد الكريم بن عمرو ، والبعض الآخر عن كرام ـ وهو لقب عبد الكريم ـ قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم (عليه السلام) ، فقال : صم ، ولا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيّام التشريق ولا اليوم الذي يشكّ فيه(2) . وفي بعض الروايات: ولا اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان(3) .
وقد اُجيب(4) عن الاستدلال بها على الحرمة التي هي ظاهر النهي ، تارة بعدم ظهور الرواية في ورودها في فرض النذر ، بل ظاهرها مجرّد الجعل على النفس والالتزام به خارجاً ، وإلاّ لكان اللازم أن يقول : «جعلت لله على نفسي» ; لأ نّها صيغة النذر ، ومن المعلوم أنّ متعلّق هذا الجعل هو الصوم الذي لا يكون واجباً في نفسه ; ضرورة أ نّ ما هو كذلك كرمضان غني عن الجعل المزبور . وعليه : فالنهي
- (1) وسائل الشيعة 10 : 20 ـ 24، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 5 .
(2 ، 3) تهذيب الأحكام 4 : 183 ح 510 و ص 233 ح 683 ، الاستبصار 2 : 79 ح242، الكافي 4 : 141 ح 1 ، الفقيه 2 : 79 ح 351 ، المقنع : 186 ـ 187 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 26 ، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 6 ح 3 .
(4) المستند في شرح العروة 21 : 66 ـ 67 .
( الصفحة 51 )
الواقع فيها قابل للحمل على الصوم بعنوان رمضان .
واُخرى بأ نّه على فرض الظهور لا تقاوم الروايات الكثيرة الدالّة على المشروعيّة ولو مع عدم الجعل ، فاللازم طرحها أو حملها على التقيّة ; لما نسب إلى العامّة من ترك الصوم في هذا اليوم ، خصوصاً مع أ نّ مقتضى استصحاب بقاء شعبان وعدم دخول رمضان كونه من الأوّل ، وأثره الجواز بعنوانه كما لا يخفى ، لا بعنوان رمضان، كما عرفت في رواية الزهري المتقدّمة .
الطائفة الثالثة : ما يدلّ بظاهره على وجوب القضاء على من صام يوم الشك ثمّ انكشف كونه من رمضان ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان ، فقال : عليه قضاؤه وإن كان كذلك(1) .
وصحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في يوم الشك : من صامه قضاه وإن كان كذلك ; يعني من صامه على أ نّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وإن كان يوماً من شهر رمضان ; لأ نّ السنّة جاءت في صيامه على أ نّه من شعبان ، ومن خالفها كان عليه القضاء(2). وقوله: «يعني» يحتمل أن يكون من كلام الإمام (عليه السلام) ، ويحتمل أن يكون من كلام الشيخ (قدس سره) ، ويحتمل أن يكون من كلام أحد الوسائط من الرواة ، والظاهر أ نّ التعبير بالواو الظاهر في ثبوت القضاء في غير هذه الصورة أيضاً ممّا لا يستقيم ; لأ نّ وجوب القضاء على تقديره ينحصر بما إذا انكشف كونه
- (1) تهذيب الأحكام 4 : 182 ح 507 ، الاستبصار 2 : 78 ح 239 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 25 ، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 6 ح 1 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 162 ح 457 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 27، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 6 ح 5 .